“وفجأة، وأنا في غمرة الصمت الليلي، لاقيت نغمة صفير تافهة، ومن غير ما أحس، لاقيت نفسي واقف في الحمام جوه شقة مش عارفها.
“أمامي، واقفة أمٌ تخينة اوي ، بصت كدة على جسم بنتها الصغيرة، اللي عمرها ما يعديش الخمس سنين
“يا يويو، مش هتقدري تعملي كدا. منظر الصوت يبقى زي الصفارة حلو، مش مُصَّدَّقة يا أما؟”
“صح كده، يا حبيبتي. بس ربما لما تكبري أكتر تقدري.”
ابتسمت الأم فخرانة لما قالت الكلام ده، وهي مش عارفة إن صفيرها فتح الباب لحاجة مش مبينة.
يبقى مجنون الصفارة في الحمام في وقت متأخر من الليل. لو اتعمل كدا، هيكون زي ما الواحد بيحضر الأشباح على نفسه.
وفي اللحظة دي، دخلت يويو الحمام بسرعة، وسمعنا صوت “سبلاش” لما دخلت حوض الاستحمام بعد ما نظفت شعرها من الفقاعات.
“أما، أنتِ عارفة إن الجيران بيقولوا إن الجيجابو هي أطول حشرة في العالم؟”
وفجأة، وأنا بقلب عفوي عشان أسمع الكلام، واجهتني يويو فجأة.
مبتشوفنيش الطفلة دي عادي عشان الإضاءة مش حرامية في الحمام، بس يبدو إن يويو عارفة إن في حاجة حواليا.
“وإيه يا يويو؟”
سألت والدتها يويو، فأجابت ببراءة: “مفيش حاجة”.
وبعد ما نمت يويو، راحت والدتها لغرفة الصالة.
قفت هناك جنب حوض المطبخ، وشعرت بارتياح مش عارفة ينقال ليك. سهرت الأطباق الوسخة في الحوض علشان تنقع في المياه، على أمل إنها تجيبها تغسلها في اليوم اللي بعد كده. الأماكن الرطبة دايماً الأشباح بتجتمع فيها.
واستمريت في النظر ليها بعقلانية.
“خلاص هي نامت”.
قالت الأم لنفسها وهي بتمد إيديها. الصالة جنب غرفة يويو، فعشان كده الأم بتخلي الإضاءة منخفضة هناك. لذا، حتى أنا كشبح، لازم أحس بالخطر إني عرضة للرؤية، بس مش عارف إن الأشباح بتعاني من كده.
وأنا وأنا بفكر، الأم بدأت تمارين اليوجا، متمددة ببطء وكدا، وفي شغلة كبيرة في الحاجة دي، لأنها فشلت في الوصول للزاوية المثالية، بس واصلة المحاولة، تمدد مفاصلها وتنثني جسمها.
اليوجا، حاجة كنت نسيتها تماماً.
بس متى الناس بدأوا يهتموا باليوجا؟
حتى لو قالولي إن كانت قبل عشر سنين، العشرين أو الثلاثين سنة اللي فاتت بتبقى زي النهاردة بالنسبة لي.
حتى شخصيتي وذكرياتي بتبدأ تتلاشى، زي أوراق الخريف اللي بتتطاير بالرياح.
مش عارف أشوف وشي في المراية، فنسيت من أنا. والأغرب إني مش عارف حتى تاريخ ميلادي. مش عارف إزاي كانت حياتي، سواء كنت شخص عادي أو مميز أو محتقر.
وفي الوقت اللي أنا فيه مشغول في أفكاري، الأم بدأت تتمرن، وبعد كده ماقدرتش توصل لل
وضعية المطلوبة.
بعد ما ضحكت شوية، راحت الأم للثلاجة من غير ما تلفت إلي، وفتحت علبة شاي الليمون البارد واختارت كيس من مكسرات السمك الصغيرة. بعدين راحت للصالة.
أنا ببساطة استمريت في المشاهدة، مفيش حاجة تانية بتهمني.
والغريب إني ما اتشعرتش بالملل أبداً. من وقت ما غبت، مازلت بحس بنعاس. بفكر إن في سبب وراء عدم قدرتي على الرحيل، بس نسيته. في النهاية، كل اللي ممكن أعمله إني أشوف العالم من بعيد لحد يوم ما أروح.
شغلت الأم جهازها اللابتوب وبدأت تتصفح مقاطع الفيديو، واختارت في النهاية تشوف تحدي تدمير قصص الأشباح، واللي بيضحك على قصص الأشباح بطريقة مضحكة، وبعدين مسابقة لإحداث الضحك.
وهكذا خلص الفصل الأول.